تعليق الأستاذ الدكتور/ نادر محمد إبراهيم([1])
الاستاذ بكلية النقل الدولي واللوجستيات
بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري
حيث تفضل بالتعليق على
التحكيم عن تعويض الشركاء عن تضررهم
لعدم صدور ترخيص نشاط الشركة من الشريك ذي الصفة العامة
تحليلاً لحكم تحكيم مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي
في القضية رقم 563 لسنة 2008 والصدر في 26 يونيو 2008
يتعلق حكم التحكيم في القضية رقم 563 لسنة 2008، والصادر في القاهرة في 26/6/2008، بالتطبيق لقواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي([2]) – والذي نشير إليه بحكم تحكيم شركة الروافد- من الأحكام التحكيمية ذات الأهمية لما تعرض له من مسائل غير دارجة في ممارسة التحكيم في جمهورية مصر العربية، فالتحكيم يتعلق بمنازعة بين شركاء في شركة خدمات ملاحية نشأت لتعمل في مجال الخدمات الرافدية، حيث تضرر الشركاء من عدم إصدار الشريك ذي الصفة العامة ( هيئة الميناء) لترخيص يضمن للشركة بدء نشاطها. وقبل التعليق، قد يكون من المناسب التمهيد باستعراض خلفية تجارية وملخص للوقائع، ثم المشكلة القانونية التي واجهتها هيئة التحكيم، وما تثيره من قواعد قانونية، وصولاً إلى ما انتهت إليه هيئة التحكيم في حكمها .
أولاً: الخلفية التجارية :
من المعلوم أن صناعة النقل البحرى تقوم في غالبها على النقل البحرى المنتظم، و الذي ينقل قرابة 60% من قيمة التجارة الدولية المنقولة بحراً([3])، وهو ما يطلب عليه تجارياً النقل ” بالخطوط المنتظمة ” ([4]) Liner Shipping ، حيث تعلن الشركة الملاحية لجمهور عملائها عن توفيرها لخدمة النقل البحرى بشكل منتظم زماناً ومكاناً([5]). إنه نظام النقل الذي تطور في العصر الحديث نتيجة تنميط طريقة تغليف البضاعة وحمايتها أثناء الطريق، حيث يقوم ذلك من خلال تعبئتها في صناديق حديدية نمطية الابعاد، يطلق عليها الحاويات” containers ” ، توفرها الشركة الملاحية غالباً لعملائها.([6])
فالنقل البحري المنتظم في العصر الحديث يقوم أساساً من خلال شركات النقل البحري المنتظم، وبواسطة سفن متخصصة في نقل البضائع مشحونة في حاويات، هى سفن الحاويات Container Ships ([7]) .ونتيجة لتكلفة النقل البحرى عن طريق سفن الحاويات ([8]) ، فإن إدارة الرحلة البحرية يتم استخدام اقتصاديات الحجم([9]) والت قد تؤدي إلى تعاقب مراحل النقل البحري للحاوية إلى أن تصل إلى ميناء الوصول النهائي ، حيث تبدأ الرحلة من مناطق الإنتاج، كمونئ الصين ، من خلال سفن عملاقة ، يطلق عليها السفن الأم Mother Ships ، وصل أحدثها إلى نقل ما يزيد على 14 ألف حاوية مكافئة ([10]) والغالب أن تكون في حدود ما يزيد على 4 آلاف حاوية مكافئة ([11]). حيث تقوم الشركة الأم بتفريغ كامل الشحنة في ميناء رئيسي، يطلق عليه الميناء المحورى Hub Port ، وذلك في المنطقة الجغرافية المستهلكة، تستكمل منه الحاويات رحلتها البحرية منقولة على سفن أصغر حجماً لتوزعها على موانئ أصغر، ويطلق على السفن ال صغيرة تلك سفن الروافد Feeder Ships ([12]) .
وتتنافس الموانئ على احتلال مركز الميناء المحورى في المنطقة الجغرافية التي تتواجد فيها، على أن ذلك الامر تحكمه عدة أمور منها كفاءة المناولة ، ومدى توفر خدمة السفن الرافدية. وتتخصص شركات في مناولة الحاويات ، شحناً وتفريغاً وتخزيناً ، وتلك هى محطات تداول الحاويات Container Terminals .
وتختلف الدول بين بعضها البعض من حيث ما تتبناه نظاماً لإدارة موانيها، وبغض النظر عن الاسلوب المتبع فإنها تميل إلى التركيز على أنشطة إدارة الدومين العام، وهو النمط الذي يطلق عليه في مجال إدارة المونئ باصطلاح ” ميناء الملكية”([13]) Land Lord .
ويغلب أن تأخذ سلطة الموانئ شكل شخص من أشخاص القانون العام.([14]) وتختلف الدول بين بعضها البعض في تنظيم هذا الشخص. ففي النظام القانوني اللاتيني، والسائد في العالم العربي، فإن سلطة الموانئ تأخذ احد صور الشخص المعنوى المرفقي، سواء في صورة الهيئة ( حينما ينظر إلى نشاط الميناء على أنه نشاط إداري) أو مؤسسة ( حينما ينظر إلى الميناء على أنه نشاط اقتصادي)([15])
والجدير بالذكر أن الشخص المعنوى العام يختلف عن الشركة التي تمتلكها الدولة بشكل كامل أو غالب، وهى المعروفة في النظام القانوني المصري” بشركة قطاع الأعمال العام”([16]). ويحقق الاخذ بهذا النوع من الهياكل في مجال سلطات الموانئ مصالح اقتصادية جمة فهو يبعد تلك السلطات عن قيود القانون العام، فهى تخضع للقانون الخاص، وتحق مشاركة القطاع الخاص بإمكانية عرض أسهمها للأفراد ، فيصبح الميناء في صورة Corporatized Ports ([17]).
ويلاحظ أن جمهورية مصر العربية تأخذ بتعدد في سلطات الموانئ في صورة ” هيئات الموانئ” ، وهى أشخاص اعتبارية عامة تنشا بموجب قانون يحيل إلى قرارات وزارية لتنظيم شؤونها .
وتتجه مصر- كما هو الحال- في أ غلب دول العالم نحو الحد من تدخل اليهئة العامة في إدارة الميناء، بترك الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية للقطاع الخاص، كما هو الحال في شان أنشطة شحن وتفريغ وتخزين وصيانة الحاويات.
ومع تخصص الميناء في خدمة السفن الام، تنشا العديد من الانشطة الفرعية التي تدخل في ذلك النشاط ذي الطابع الاقتصادي، ومن ذلك صيانة الحاويات، وإدارة لوجيستات تداول الحاويات بين السفينة الامر والسفن الرافدية، إنها الانشطة التي يمكن وصفها بأنشطة الخدمات الرافدية.
وتختلف الأنظمة القانونية المختلفة من حيث مدى سماحها للقطاع الخاص بالدخول في مجال أنشطة الموانئ البحرية ، بغض النظر عن تواجدها في هذا المجال. فمن الدول ما لا تتضمن نصوصاً قانونية مانعة، لكن الممارسة الواقعية تشير إلى عدم اتاحة تلك الفرصة لهذا القطاع في مجال الموانئ . على أن من الدول ما تمنع ذلك بنصوص صريحة وهو الاتجاه الذي بدأت الدول في الرجوع عنه كما هو الحال في مصر.
فمن المعلوم أنه بموجب قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة، بالقانون رقم 12 لسنة 1964، بإنشاء المؤسسة المصرية العامة للنقل البحري ، منع القطاع الخاص من العمل في مجال النقل البحري ([18]). ولقد انتهى هذا المنع في مجال انشاء الموانئ بتعديل القرار بقانون رقم 12 لسنة 1964، بموجب القانون رقم 1 لسنة 1996 والذي سمح بتدخل القطاع الخاص في إنشاء الموانئ المتخصصة ([19]). ثم الموانئ غير المتخصصة ( القديم منها والجديد) بموجب التعديل بالقانون رقم 22 لسنة 1998([20]) . أما في شان أنشطة الموانئ ( كالوكالة ، والشحن والتفريغ ، وخدمات السفن ..إلخ)، فقد تمت اجازة ذلك بموجب القانون رقم 1 لسنة 1998 بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 12 لسنة 1964([21]) ، وقراراته الوزارية التنفيذية ([22]).
ووفقاً للدراسات المتخصصة في خصخصة الموانئ والصادرة عن البنك الدولي، فغن دخول القطاع الخاص إلى مجال الموانئ البحرية يختلف من حالة لأخرى. فعلى سبيل المثال قد يكون المرفق الميداني قد تم تمويل استثماراته من الحكومة ولكنها لا تحسن تشغيله، وفي بديل آخر قد تكون الحكومة في حاجة إلى تمويل مثل ذلك المرفق لإنشائه، أو تطوير القائم منه .
وبذلك تتنوع الانماط القانونية للخصخصة في مجال الموانئ البحرية، حيث تتخذ أهم الصور التالية : عقود الإيجار leases ، وعقود الامتياز concessions ( انماط الإنشاء والتشغيل ، ونقل الملكية BOT BOO /BOOT ([23]) عقود البيع المباشر لأصول الميناء Outright sale of port assets، وعقود المشاريع المشتركة joint ventures ، وطرح الاسهم في سوق المال. وتتعلق القضية الماثلة بالصورة قبل الاخيرة للخصخصة، ألا وهى المشروع المشترك في شكل شركة بين مستثمرين والهيئة العامة لأحد الموانئ المحورية المصرية .
ثانياً : الوقائع :
تتعلق القضية – محل حكم التحكيم- بمنازعة بين الشركاء ، حيث أقنعت مجموعة من المستثمرين الهيئة العامة المنوط بها إدارة أحد الموانئ المحورية في مصر- نشير إليها لاحقاً على سبيل الاختصار بالهيئة العامة للميناء- بالدخول معها في شركة مساهمة، وذلك بحصة 25% من راس المال، فضلاً عن تخصيص أراضي وأرصفة بحق الانتفاع لمدة 25 سنة، لتقديم الخدمات الرافدية، تنشا وفقاً لأحكام قانون الاستثمار رقم 8 لسنة 1997، وهو ما تحقق بموجب عقد مؤرخ في 29/3/2005، حيث قام الشركاء بالوفاء بالتزاماتهم المالية ، ولكن تعثر بدء نشاط الشركة نتيجة عدم حصولها على ترخيص بالعمل، تبين وجوب صدوره عن الهيئة العامة ذاتها.
وحيث أن عقد الشركة يتضمن شرط تحكيم، وحيث إن تعطيل بدء عمل الشركة قد أدى إلى اضرار أدعى بها الشركاء، فإنها لجأوا إلى التحكيم طالبين التعويض من الشريك ذي الصفة العامة نتيجة إخلاله بنية المشاركة، حيث ردت هيئة الميناء بعدة دفوع أهمها: عدم اختصاص هيئة التحكيم وعدم قبول الدعوى، انتهاءً برفض الدعوى .
ثانياً: التساؤلات القانونية :
تتمثل التساؤلات القانون التي واجهت هيئة التحكيم في التالي :
1- مدى عدم اختصاص هيئة التحكيم ولائياً تأسيساً على ان موضوع النزاع يتعلق بقرار اداري سلبي للهيئة العامة بعدم اصدارها للترخيص الاداري لشركة الروافد.
2- مدى بطلان شرط التحكيم الوارد في عقد الشركة، لكونه عقداً إدارياً ؟
3- مدى خروج منازعة الزام هيئة الميناء بإصدار الترخيص من نطاق عقد الشركة؟
4- مدى غياب صفة الشركاء بحسبان أن صاحب الصفة في تمثيل شركة الروافد هو لرئيس مجلس ادارتها وليس الشركاء؟
5- وتحديد الطرف الذي تعرض للضرر عقب انشاء الشخصية الاعتبارية للشركة، هل هم الشركاء أم الشركة؟
ثالثاً : القواعد القانونية :
1- من المعلوم أنه يختص مجلس الدولة بنظر المنازعات الإدارية بموجب المادة 10 من القرار بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة ([24])، على ان ذلك لا يمنع من جواز خضوع المنازعة الادارية لتحكيم، إذا كانت علاقة عقدية، ومعززة باتفاق للجوء إلى التحكيم، وذلك بموجب المادة 1 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، والصادر القانون رقم 27 لسنة 1994([25]) . وإن كانت منازعات القرارات الادارية لا يمكن اللجوء في شأنها إلى التحكيم، فهى غير قابلة للتحكيم موضوعاَ ، إلا أنه يجوز الاتفاق على تحكيم ما ينجم عنها من تعويضات مستحقة ، فمحل النزاع يكون عندئذ حقاً مالياً ([26]).
2- ولئن كانت عقود الاشخاص العامة جائز خضوعها للتحكيم موضوعاً، إلا أنها إذا كانت إدارية وجب استيفاؤها موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه، بموجب تعديل قانون التحكيم عام 1997( قانون رقم 9). على انه ليست كافة العقود التي تكون أحد اطرافها شخصاً من أشخاص القانون العام ، عقداً إدارياً . فيلزم لإدارية العقد أن يتعلق بتنظيم أو تسيير مرفق عام، وأن تتضمن شروطاً استثنائية لا تتضمنها عقود القانون الخاص.([27])
3- وتطبيقاً للقواعد العامة ، يترتب على إبرام العقد ، من حيث موضوعه ، التزام أطرافه بما ورد فيهن بما يشمله ذلك من مستلزمات ، حيث لا يمكن التحلل منه إلا بموجب اتفاق أو نص في القانون، فهذا محض تطبيق لمبدا ” العقد شريعة المتعاقدين” ([28]).
4- يتحدد النطاق الشخصي لخصومة التحكيم باتفاق التحكيم، فلا يجوز أن يكون طرفاً في الخصومة إلا من كان طرفاً في اتفاق التحكيم ، أو كان ممن يمتد إليهم هذا الاتفاق([29]). فإذا رفعت الدعوى من شخص اعتباري فيجب أن يمثله في الخصومة النائب عنه قانوناً([30]).
5- لا يكفى وقوع الخطأ، ولو كان جسيماً ، بل ولو متعمداً ، لكي تنعقد المسئولية العقدية للمدين، حيث ينبغى أن يكون قد ترتب على الخطأ ” ضرر اصاب الدائن” ، وإلا انعدمت المصلحة في دعوى المسئولية وأضحت غير مقبولة ([31]). ويتحمل الدائن عبء إثبات الضرر ما لم يعفه القانون من ذلك ([32]).
رابعاً : الحكم:
وبإنزال حكم القواعد القانونية سالفة الذكر على المسائل منحل النزاع، انتهت هيئة التحكيم إلى التالي :-
1- لا تدور منازعة الشركاء مع الهيئة العامة للميناء حول قرارها الإداري السلبي بعدم منح الترخيص ، بل حول اخلالها بتنفيذ عقد ، هو عقد الشركة ( المؤرخ في 29/3/2005) ، وذلك بعدم بذل المعونة في تدليل الحصول على الترخيص. والحال أن صفة هيئة الميناء كانت واضحة في هذا الشأن، في ظل اتصال ذلك بركن نية الشراكة، فمن المستقر في أحكام القضاء المصري أن نية الشراكة في نشاط ذي تبعة هى نية تعتبر من مقومات عقد الشراكة([33]). وحيث إن ذلك العقد يتضمن شرط تحكيم، تنطبق قاعدة جواز اتفاق الشخص العام على اللجوء للتحكيم بموجب شرط التحكيم. وبذلك رفضت هيئة التحكيم ا لدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر النزاع.
2- ولئن لم تحسم هيئة التحكيم تكييف عقد الشركة بأنه عقد إداري([34])، إلا أنها وجدت إنه – وبغض النظر عن تلك الصفة – فإن تأشيرة وزير النقل على عقد الشركة، والذي يتضمن شرط التحكيم، يعتد بأثرها على الموافقة على هذا الشرط في مفهوم الماد 1 من قانون التحكيم بعد تعديلها عام 1997. وبالتالي رفضت هيئة التحكيم الدفع بعدم قبول طلب التحكيم لعدم وجود اتفاق تحكيم بين المحتكمين وهيئة الميناء كسلطة عامة.
3- انتهت هيئة التحكيم إلى أن اتفاق 29/2/2005 يقوم قانوناً وواقعاً على نية المشاركة ، فإذا أضيف إلى ذلك اعتبارات الأمانة والثقة المتبادلة، وحسن النية، وما تم من تسليم مساحات أقرها وزير النقل دون انتظار تمام التأسيس بالقيد في السجل التجاري ، إن حجب الترخيص للشركة بتعليقه على استيفاء أمر ليس مرجعه إلى المحتكمين ( بتنسيق مطلوب مع شركة أخرى من شركات قطاع الأعمال) يتعارض مع الإدعاء بأن كل ذلك يخرج عن نطاق العقد. وبالتالي رفضت هيئة التحكيم الدفع بعدم قبول طلب التحكيم بادعاء خروج موضوع المنازعة عن النطاق الموضوعي لاتفاق التحكيم.
4- ومن حيث إن المحتكمين يقيمون دعواهم التحكيمية ضد هيئة الميناء بالاستناذ إلى صفتهم كشركاء معها في عقد الشركة، والذي يتضمن شرط التحكيم ، وليس نيابة عن الشركة المستهدف نشأتها، وحيث إن الشركة لم تكن ممثلة في التحكيم، فإنه تنعقد للمحتكمين الصفة في رفع دعوى التحكيم. وبذلك رفضت هيئة التحكيم الدفع بعدم قبول طلب التحكيم لرفعه من غير صفة .
5- فرقت هيئة التحكيم بين حق المحتكمين في التعويض وحق الشركة التي يساهمون في نشأتها ، فقبل استواء الشخصية القانونية للشركة يكون المتضرر من إخلال الهيئة العامة بعقد الشركة هو المحتكمون، أما عقب ذلك فإن المضرور هو الشركة. وحيث إن المحتكمين لم يقوموا بإثبات ضررهم عن الفترة السابقة على إنشاء الشركة، وهو يونيو 2005، فإن هيئة التحكيم رفضت طلبهم بالتعويض.
خامساً : التعليق :
يتعلق حكم التحكيم الماثل بمنازعة تعويض بين الشركاء حول تضررهم من إخلال أحد الشركاء بما تستلزمه نية الشراكة affecio societatis ([35]) من تعاون على تحقيق هدف المشروع ، وهو موضوع غير مطروق، وتقل فيه الكتابات حتى في فرنسا عميدة الفقه اللاتيني . والدقيق في الموضوع هو أن الشريك المدعى مخالفته لمستلزمات نية الشراكة هو أحد الاشخاص الاعتبارية العامة- الهيات العامة للميناء. مما يتطلب التعليق على علاقة نية شراكة الشخص الاعتباري العام بالتزامه بمنح شركته لترخيص بدء النشاط، وأثر الطبيعة العامة للتراخيص على تحكيم منازعة التعويض عن عدم صدوره.
1- علاقة نية اشتراك الشخص الاعتباري العام بالتزامه بحصول شركته على ترخيص بدء النشاط
بغض النظر عن الموقف من طبيعة الشراكة، سواء أكانت عقدية ([36]) أم نظاماً قانونياً ([37]) ، فإنه من المسلم به أن الشركة تنشأ رضاءً بموجب عقد مسمى، عرفه التقنين المدنى في المادة 505 منه بأنه : ” عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي، بتقديم حصة من مال أو عمل ، لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة”. إنه النص الذي تضمن أغلب الشروط الموضوعية الخاصة للشركة ألا وهى :
تعدد الشراكة ، وتقديم الحصص، واقتسام الارباح والخسائر، وهى الشروط التي يضيف إليها الفقه والقضاء شرط “نية الاشتراك” Affecio socitatis ([38]) على الرغم من غياب النص عليها ، فهى ” .. النواة الاساسية التي تستقطب حولها ، .. الأركان الأخرى اللازمة لقيام عقد الشركة وصلاحيته لترتيب آثاره القانونية([39]).
وعلى الرغم من غياب اتفاق الفقه حول تعريف نية الاشتراك ([40])، إلا أن الفقه التجاري الرائد في مصر ينقل عن روديير تعريفه لها بأنها : ” رغبة إرادية تدفع الشركاء إلى التعاون فيما بينهم تعاوناً إيجابياً وعلى قدم المساواة من أجل تحقيق أهداف الشركة.([41]) هى : الرغبة الإدارية ([42]) .وترتيباً على ذلك تقوم نية الاشتراك على عناصر ثلاثة([43]) ، والتعاون الإيجابي([44])، والمساواة([45]) وهى كلها مسائل واقعية يستقل بتقديرها قاضي الموضوع.
وبغض النظر عن تطور مفهوم نية الشراكة في الفقه والقضاء بين تقليدي ينصب على التعاون و المساواة. ([46])، وحديث ينظر إليها كموقف نفسي هى الرغبة في الاتحاد وقبول المخاطر المشتركة الناجمة عن المشروع([47])، فإن غيابها عند انشاء الشركة يعيب عقدها بالصورية، وغيابها بعد قيامها وأثناء حياة الشركة قد يؤذيها بإبطالها أو على الأقل حلها([48]).
ويقصد من التعاون اتخاذ مظاهر خارجية تحقق غرض الشركة كما هو الحال في شأن تقديم الحصص وإدارة الشركة والاشراف عليها والرقابة على أعمالها وقبول المخاطر المشتركة ([49]). فهذا التعاون هو الذي يميز الشركة عن الشيوع الاختياري، وعقد القرض([50]). وبيع المحل التجاري مع الاشتراك في الأرباح.([51])
ولا شك أن الهيئة العامة للميناء قد أبرمت عقد الشركة وهى متبنية لنية الشراكة، فالراجع إنها قد فقدت بعض عناصر تلك النية عقب إبرام العقد ، ونقصد بذلك التعاون على تحقيق المشروع المشترك لغرضه، وذلك عندما لم تصدر لشركة الروافد الترخيص اللازم لبدء نشاطها.
2- أثر الطبيعة العامة للترخيص على تحكيم منازعة التعويض عن عدم صدوره.
لكي يصلح الحق المتنازع عليه أن يكون محلاً للتحكيم فإنه ينبغي أن يكون حقاً مالياً، وبغض النظر عما إذا كان مدنياً، تجارياً ، أو إدارياً([52]). فلقد تخفف قانون التحكيم المصري ، فاكتفى بأن يكون النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي([53]).
وبصفة خاصة ، يستقر الفقه على أنه لا يهم مصدر الحق، أى سواء أكان عقداً او عملاً غير مشروع([54]). وبالتالي فإنه يجوز تحكيم منازعة التعويض عن الاحلال في إصدار قرار إداري، فهذا حق مالي، ولا يهم أن يكون مصدره عملاً غير مشروع أو إخلالاً بعقد، وفي قضية التحكيم كان الإلتزام مصدره عقد الشركة.
على أنه ليست كافة منازعات الشركات مما يجوز التحكيم بشأنها([55])، فلا يكفى الحق أن يكون مالياً، بل يلزم فوق ذلك أن يكون مما يجوز فيه الصلح، وهو ما يتخلف عند مخالفة النظام العام([56]). ولقد حكم بعدم جواز التحكيم حول منازعات الشركات التي ينطوى محلها على مخالفة لنص آمر. وتطبيقاً لهذا حكم في فرنسا ببطلان شرط التحكيم في اتفاق اغلبية الشركاء المساهمي على توزيع أصول الشركة المساهمة، فهذا يخالف نصاً أمراً يتعلق بسلطة التوزيع وهى للجمعية العامة للشركة([57]).
ويحق التساؤل عما إذا كان الفصل في القرار السلبى بعدم منح الترخيص هو مسألة أولية مما لا يجوز فيه التحكيم، وإن كان الحق المالي المبنى على هذه المسألة يصلح لأن يكون محلاً للتحكيم؟ أى ما إذا كان من المتعين على هيئة التحكيم أن توقف الفصل في إجراءات التحكيم([58]) . وذلك حتى يتم الفصل في مسألة صحة القرار الإداري السلبي بحكم نهائي من مجلس الدولة؟
إن الإجابة عن السؤال السابق تعتمد على مصدر الحق المالي المحتكم في شأنه ، فالمصدر ليس القرار الإداري ، ولكن عقد الشركة، وبالتالي أحسنت هيئة التحكيم، بالتصدى لمدى مشروعية عدم قيام الشخص الاعتباري العام باصدار القرار الاداري بصفته إخلالاً بإلتزام عقدي. إنه الحل الذي يتوافق ومتطلبات التحكيم، فبخلاف ذلك سوف يتعطل الفصل في المنازعات التحكيمية لمجرد أن يكون أحد أطرافها شخصاً من أشخاص القانون العام. على أنه لو تصورنا أن شخصاً من أشخاص القانون الخاص قد أبرم مشارطة تحكيم مع شخص من أشخاص القانون العام حول اللجوء إلى التحكيم لبحث مدى أحقية شخص القانون الخاص في الحصول على تعويض عن عدم صدور قرار إداري ، فإن هيئة التحكيم تختص بتقدير التعويض دون الفصل في مدى خطأ شخص القانون العام في إصدار القرار الإداري ، فهذا مما لا يصلح الاحتكام فيه من حيث الموضوع، فهو مسألة أولية يختص بها مجلس الدولة، توقف لها خصومة التحكيم إلى أن يصدر فيها حكم نهائي.
وبذلك ينتهى إلى استحسان ما انتهى إليه حكم هيئة التحكيم ، في القضية رقم 563 لسنة 2008 ، والصادر في القاهرة في 26/6/2008، بالتطبيق لقواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، والذي كشف عن خطأ الهيئة العامة للميناء. والتي دخلت في مشروع مشترك مع عدة مستثمرين، عندما لم تمكن المشروع المشترك من بدء النشاط، بعد منحها للمشروع، والذي اتخذ شكل الشركة، الترخيص اللازم لبدء النشاط ، وبصفة خاصة فإن التأصيل العقدي لأساس الاخلال بالعقد ، وهو مخالفة مستلزمات نية الشراكة، الركن الموضوعي لعقد الشركة ، بمفهومه التعاوني، جعل لهيئة التحكيم سلطة التعرض لتحكيم منازعة الحق المالي المترتب على مخالفته، وإن كان حكمها قد صدر بالرفض لتعثر المحتكمين في إثبات ما اصابهم من ضرر قبل إنشاء الشركة.
[1]– استاذ القانون التجاري والبحري المساعد بكلية النقل الدولي واللوجستيات بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري .
[2]– وذلك في نزاع اتفق على اخضاعه لفرع مركز القاهرة الاقليمي في الاسكندرية، وليس من الواضح أى من الفروع كان القصد. فمن المعلوم أن لمركز القاهرة الاقليمي فرع بحرى هو مركز الاسكندرية للتحكيم البحرى الدولى، والمنشأ منذ عام 1992 بالتعاون مع الاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحريى، أضيف إليه فرع آخر أيضاً في الاسكندرية في عا م 2001 بالتعاون مع جمعية رجال أعمال الاسكندرية تحت عنوان مركز الاسكندرية للتحكيم الدولي. وعلى كل حال فقد تنازل الأطراف عن اتفاقهم باللجوء إلى الفرع، ولجأوا إلى التحكيم تحت رعاية المركز الأم في مقره بالقاهرة.
[3]– انظر بصفة عامة :
Martin stopford, maritime economics, 2nd Edition, Routledge, London, 1997, p. 338 .
[4] – وذلك في مقابل النقل البحري العارض، والذي يتم بموجب عقود ايجار للسفن تحت الطلب، إنه السوق الملاحى الذي يطلق عليه ” Tramp Shipping ” .
[5]– وهى ظاهرة حديثة نسبياً حيث أعقبت تطور استخدام الطاقة البخارية، وهو ما تحقق منذ نهاية القرن التاسع عشر ( وبالذات في الفترة 1870) . ستوبفورد، سابق الاشارة، ص 338.
[6] – يعود الفضل في نشأة ظاهرة النقل بالحاويات إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث بدأ منها ظاهرة نقل البضائع مشحونة في صناديق حديدية وذلك في ستينات القرن العشرين. أنظر : المرجع السابق ، ص 340.
[7] – ويعود الفضل إلى شركة Sea Land والتي أنشأها الأب الروحى للحاويات مالكولم ماكلين صاحب الخبرة في النقل البرى، حيث كانت أول رحلة بحرية تقطع المحيط حاملة للحاويات في أبريل 1996 . أنظر : المرجع السابق ، ص 341.
[8] – ويعود ذلك إلى موسمية النشاط وعدم التوازن بين البضائع المنقولة من وإلى المونى في كل رحلة، والحاجة إلى زيادة الطاقة الناقلة مع زيادة حجم التجارة . أنظر : المرجع السابق ، ص 343.
[9]– المرجع السابق، ص374.
[10] – وهى حاملة الحاويات المسماه إيما Emma للشركة الملاحية مراسك، حيث دشنت في 2007 بحمولة 14770 حاوية مكافئة . ويقصد بالحاوية المكافئة، تلك التي تكافؤ وحدة الحاوية عشرين قدم.
[11] – ستووبفرود ن سابق الإشارة إليه، ص 395.
[12] – المرجع السابق، ص 375.
[13] -بدا توزيع الوظائف المختلفة للميناء باحتكار الحكومة أو قطاعها العام لتلك الوظائف، والجدير بالذكر أن القطاع الخاص قد يشارك في ممارسة بعض وظائف الميناء على مستويات مختلفة ، وهو ما أدى إلى ظهور تصنيف للمواني من حيث توزيع وظائفه بين الدولة والقطاع الخاص، إنه التصنيف الذي ينتهي إلى تنوع الموانئ بين : ميناء الخدمة العامة، ميناء الملكية ، ميناء الأدوات، وميناء الخدمة الخاصة.
ويمكن تصنيف ” وظائف الموانئ ” Port Functions في ثلاثة مجموعات من الوظائف ، وهى : وظيفة الملكية ، وظيفة التنظيم، وظيفة التشغيل . وهى الوظائف التي يتباين توزيعها بين الدولة والقطاع الخاص. ويلاحظ أن الوظيفتين الثانية والثالثة وظائف اقتصادية بعكس الوظيفة الأولى وهى وظيفة إدارية .
أولاً : وظيفة الملكية :
يقصد من ” وظيفة الملكية ” Landbord Function في الموانئ ، قيام الميناء بالتالي :-
- المحافظة على عقارات الميناء.
- تطوير عقارات الميناء.
- تنسيق أنشطة التسويق والترويج للميناء.
- تخطيط وتنفيذ سياسات الميناء واستراتيجيات تطويره.
- إنشاء وصيانة القنوات الملاحية، وحواجز الأمواج، والأحواض.
- الاشراف على تنفيذ الاعمال الهندسية المدنية .
- توفير الطرق البرية ( والسكك الحديدية إن وجدت) الرابطة بين الميناء ومنطقة الظهير hinterland
ثانياً : وظيفة التنظيم :
أما “وظيفة التنظيم ” regulatory function فإنه يقصد بها :
- تأمين المداخل الملاحية للميناء وتطويرها ، وصيانتها .
- تحصيل الرسوم.
- تقديم خدمات الارشاد ، وإدارة مرور السفن .
- فرض تطبيق القانون، خاصة ما يتعلق منها بالسلامة والصحة المهنية ، وحماية البيئة، ومنع التلوث.
- التنسيق مع الجهات المختصة لمنح تراخيص مزاولة الأنشطة في الموانئ.
- تنسيق السياسات الحكومية ، وإعداد الخطط المستقبلية.
ثالثاً: وظيفة التشغيل :
وفيما يخص “وظيفة التشغيل ” Operation Function فهى الوظيفة التي تتعلق بالمناولة العينية للبضائع ، وركوب ونزول الركاب من ارصفة الميناء إلى البحر والعكس، وخدمة السفن . وتشمل هذه الوظيفة ما يلي :
- أنشطة الشحن والتفريغ.
- أنشطة التخزين التعبئة .
- التوريدات البحرية.
- الارشاد
- القطر
- اصلاح السفن
أنظر : دليل هيئة الموانئ والحكومات في شأن خصخصة المرافق المينائية والصادر بالغلة الإنجليزية عن مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة ( الأونكتاد)، للعام 1998، برقم UNCTAD/ SDTE/ TIB/1 ، ص 16 . كذلك : مجموعة أدوات إصلاح الموانئ الموديول رقم 3، النماذج البديلة للهياكل إدارة الموانئ والملكية ، والصادر عن البنك الدولي، ص 14.
[14] – أنظر بصفة عامة للباحث :
” The Egyptian Seaports Regulatory Framework: What is More Beautiful than Mosaic?, a paper presented at the 18th international port conference on : Increasing private sector involvement in ports and transport: an opportunity or a threat ? January 27-29, 2002, Alexandria, ” Egyptian Seaports’ Law : Past , present and the future” A paper presented at the 25th international Port conference on ; the silver Jubilee of the international port conference , February 8-10 , 2009, Alexandria,,
[15]– تنقسم اشخاص القانون العام، والتي تخضع للقانون العام، إلى : أقيمية ( مثل الدولة) ، ومرفقية ، ومهنية ويقصد بالاشخاص العامة المرفقية” تلك التي تقوم على مرفق عام من مرافق الطولة” ، ويطلق عليها في القانون الاداري الفرنسي ” المؤسسة العامة””établissement publique ” . ولقد عرف هذا النظام في مصر حتى صدور ق انون المؤسسات العامة و الأخر المتعلق بالهيئات العامة في عام 1963. فلقد قنن المشرع المصري نظرية المؤسسة العامة، كما هى معروفة في القانون الإداري الفرنسي، بموجب قانون المؤسسات العامة رقم 32 لسنة 1957، والذي تم إلغاؤه بموجب قانون المؤسسات العامة رقم 60 لسنة 1963، وقانون الهيئات العامة رقم 61 لسنة 1963. وبذلك تمت التفرقة منذ 1963 بين اصطلاحى المؤسسة العامة على المرفق العام ” الاقتصادى” واختصت المرفق العامة ” الإدارية” باصطلاح جديد ألا وهو ” الهيئة العامة” وبذلك اصبحت المؤسسة العامة هى الشخص العام المرفقي الذي يم ارس نشاطاً صناعياُ، أو تجارياً ، أو زراعياً ، أو مالياً ، أو تعاونياً، ولها ميزانية مستقلة على نمط الميزانيات التجارية، وتعتبر اموالها من الأموال المملوكة ملكية خاصة للدولة، فهى ليست بمال عام، ما لم ينص على خلاف ذلك عند انشاء المؤسسة العامة. أما الهيئات العامة فهى أيضاً شخص عام مرافقي لكنه يقوم على تقديم مصلحة أو خدمة عامة ، فهى لا تقوم بنشاط مالي او تجاري أو زراعي أو صناعى، وتتمتع بميزانية خاصة على نمط ميزانية الدولة وتلحق بالجهة الإدارية التابعة لها . وتعد أموالها أمولاً عامة، ما لم ينص على خلاف ذلك في القرار المنشئ لها ( ولقد نص قانون الهيئات العامة صراحة على أن عمالها يعدون من قبيل الموظفين العموميين، على أن قانون المؤسسات العامة قد أحال في هذا الشأن على اللائحة العامة للمؤسسات، وفي 29/4/63 صدر القرار الجمهوري رقم 800 لسنة 1963 والذي قضى بسريان أحكام لائحة نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة على العاملين بالمؤسسات العامة ذاتها، فأصبحوا من إجراء القانون الخاص ، فعمال الشركات التابعة ( شركات القطاع العام) أصبحوا من اجراء القانون الخاص ، بوصف تلك الشركات من قبيل اشخاص القانون الخاص), ومع تعميق تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي ن في ظل سيادة الأفكار ا لاشتراكية في فترة الستينات، تم تطوير قانون المؤسسات العامة بصدور قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام في ع ام 1996 ( قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام رقم 32 لسنة 1996) ، والذي يقوم على تجميع شركات القطاع العام في مجموعات اقتصادية متجانسة تقوم عليها مؤسسة عامة.
ومن تحول الدولة على الانفتاح الاقتصادي، في ظل تبنى أفكار الاقتصاد الحر ، تم إلغاء المؤسسات العامة في عام 1975، وذلك تحت ضغوط مطالبي حرية الادارية ( فلقد تم تطوير النظام القانوني للمؤسسات العامة بإلغاء قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام رقم 32 لسنة 1966 بموجب القانون رقم 60 لسنة 1970 ، ثم في عام 1975 صدر القانون رقم 117 لسنة 1975 و الذي ألغى الكتاب الاول من القانون رقم 60 لسنة 1970 والمتعلق بالمؤسسات العامة) على أن المؤسسة العامة التي تم إلغاؤها هى تلك التي تتبعها شركات ( قطاع عام) ، أما تلك التي وجدت قبل صدور القانون رقم 60 لسنة 1963، والتي لا يتبعها شركات قطاع عام فإنه لم يتم إلغاؤها( بالاضافة إلى المؤسسات الاخرى مثل مؤسسة مصر للطيران سابقا) .
ومع ذلك تم إنشاء بعض الكيانات الاشرافية تحت مسمى ” مجالس عليا للقطاعات” ، على أن تعدد شركات القطاع العام وصعوبة الاشراف عليها جعل فكرة الكيان الاشرافي يعود مرة أخرى تحت وصف ” هيئة القطاع العام” في عام 1983، وذلك بموجب القانون رقم 97 لسنة 1983، والذي منح هيئة القطاع العام الشخصية الاعتبارية، وجعلها من اشخاص القانون العام ( المرفقية) ، على أن أموالها تعد من قبيل الاموال المملوكة للدولة ملكية خاصة، ولقد كان عمالها مثل عمال شركاتها التابعة ( شركات القطاع العام) من قبيل اجراء القانون الخاص.
ومع تبنى برامج الاصلاح الاقتصادي ن في بداية التسعينات، والتي يقع على قمة أدواتها الخصخصة والتي تستهدف نقل ملكية المرافق العامة الاقتصادية الى القطاع الخاص، صدر قانون شركات قطاع الاعمال العام ( القانون رقم 203 لسنة 1991، والمنشور في الجريدة الرسمية ، عدد 24 مكرر، 19/6/1991)، والذي ألغى هيئات القطاع العام ليحل محلها ” الشركات القابضة” ، والتي تتمتع بالإشراف على شركات القطاع العام والتي اصبح أسمها ” شركات قطاع الاعمال العام” إنها المرة الاولى التي تصبح الجهة المشرفة على المرفق العام الاقتصادي من قبيل اشخاص القانون الخاص، فالهدف كان توفير إطار مرن يمكن تلك الشركات من تأهيل شركات قطاع الاعمال لكي يتم نقل ملكيتها من بعد إلى القطاع الخاص، فهى ذات هدف مرحلي أو انتقالي.
ومما تجدر الاشارة إليه ، أن ما سبق ذكره لا يعنى أن المرافق العامة قد اقتصرت على تلك العاملة في المجال الاداري أى الهيئات العامة ، فالمؤسسات العامة التي لم تكن تشرف على كيانات اقتصادية قد استمرت في الوجود، ومن أمثلة تلك المؤسسات الغرف التجارية والصناعية، كذلك انتهى مجلس الدولة المصري على اعتبار بعض الهيئات الدينية المسيحية ( بطريركية الاقباط الأرثوذكس ، وهيئة أوقاف الأقباط الارثوذكس) من الاشخاص العامة المرفقية نظراً لقيامها على خدمة دينية عامة ( أنظر مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا، السنة 14 ، بند 74، صر 563).
وخلاصة القول إذن أن الاشخاص العامة المرفقية في مصر لا يمكن تعدادها على سبيل الحصر، وإن أصبح الأن متركزة في المجال الإداري ( الهيئات العامة) دون الاقتصادي ( مع تحول المؤسسات العامة الى شركات تتبع القانون الخاص).و على كل فإن ” كل مرفق من المرافق العامة يقوم على إدارته عضو عام، ويتمتع بالشخصية الاعتبارية يعتبر شخصاً من الاشخاص العامة المرفقة) وبالتالي فإن المرافق العامة في مصر غير قابلة للحصر. أنظر بشكل أكثر تفصيلاً . مصطفى أبو زيد فهمى ، الوجيز في القضاء الإداري، بدون ناشر، الاسكندرية 1988، ص 80-86 .
[16]– القانون رقم 203 لسنة 1991، والمنشور في الجريدة الرسمية ، عدد 24 مكرر، 19/6/1991.
[17]– انظر : الموديول رقم 4 للبنك الدولي ، ص 138.
[18] – الجريدة الرسمية ، العدد 5، 6/1/1964 .
[19] -الجريدة الرسمية ، العدد 5، 1/2/1996.
[20] – الجريدة الرسمية ، العدد 17 ( مكرر9 25/4/1998.
[21] – الجريدة الرسمية ، العدد 2 ( تابع) 8/1/1998.
[22] – قرار وزير النقل والمواصلات ( نقل بحري) رقم 30 لسنة 1998( الوقائع المصرية، العدد 104، 13/5/1998) ، وقرار وزير النقل والمواصلات ( نقل بحري) رقم 31 لسنة 1998( الوقائع المصرية، العدد 117 ، 28/5/1998).
[23]– وعلى الرغم من أن المشرع المصري قد سمح للقطاع الخاص بالدخول في مجال الاستثمار في الموانئ ، بموجب القانون رقم 1 لسنة 1996، إلا أن هذا القانون لم ينظم منح الامتياز، والذي خضع بالتالي للقانون رقم 129 لسنة 1947بالتزامات المرافق العامة ( الوقائع المصرية، العدد 69، 24/7/1947) ، وقرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 61 لسنة 1958 في شأن منح الامتيازات المتعلقة باستثمار موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة وتعديل شروط الامتياز ( الجريدة الرسمية، العدد 15، 19/6/1958) ، حيث يتم منح حق الامتياز بموجب قرار رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الشعب، لمدة لا تزيد على 30 عاماً ن وبعائد لا يتعدى 10% من رأس المال الموظف والمرخص به بعد خصم مقابل الاستهلاك، على أن ذلك لا يعنى وجوب صدور قانون بمنح حق الامتياز في كل حالة على حده( تطبيقاً للمادة 123 من دستور 1971، بعكس المادة 27 من دستور 1921),
وبموجب القانون رقم 22 لسنة 1998 (والمعدل للقانون رقم 1 لسنة 1996)، تم إعفاء منح الامتياز في مجل الموانئ البحرية من الخضوع للقانون رقم 129 لسنة 1947، وقرار رئيس الجمهورية رقم 61 لسنة 1958، وبصفة خاصة تم النص على مد إمكانية مدة ذلك العقد إلى 99 عاماً ، وبأن يكون المنح بقرار مجلس الوزراء. إنه الوضع المنتقد في ظل ا ستقرار متوسط هذه المدة عند الرقم 35,
[24] – الجريدة الرسمية، العدد 40، 5 أكتوبر 1972.
[25] – الجريدة الرسمية العدد 16 تابع ، 21/4/1994، والمصحح بموجب الاستدراك المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 32، 10/8/1995، والمعدل بموجب القوانين ذات الأرقام التالية : 9 لسنة1997(الجريدة الرسمية، العدد 20 تبع، 15/5/1997)، و8 لسنة 2000 ( الجريدة الرسمية ، العدد 13 مكرر ، 4/4/2000).
[26]– فتحى والي، قانون التحكيم في النظرية والتطبيق ، منشأة المعارف، الاسكندرية، 2007’ ص 126.
[27] – ماجد راغب الحلو، القانون الإداري، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1998، ص 572.
[28] – المادة 47/ من التقنين المدني.
[29] – فتحى والي ، سابق الإشارة، ص 340.
[30] – المرجع السابق ، ص .339.
[31] – لم ينص المشرع على وجوب تحقق الضرر لانعقاد المسئولية العقدية- كما فعل في المسئولية التقصيرية ( المادة/ 221/1 من القانون المدنى) – إلا أن هذا الأمر مسلم به.
[32] – وذلك في حالة استحقاق فوائد النقود ( المادة 226 من القانون المدني) ، والفوائد الاتفاقية ( المادة 227/2 من القانون المدنى).
[33] – نقص مدنى ، جلسة 25/2/1981 ، في الطعن رقم 841 لسنة 46 ق، والحكم الصادر بجلسة 22/4/1993 في الطعن رقم 3327 لسنة 58 القضائية.
[34] – والراجح لدينا أنه ليس بعقد إداري والحال أنه يتعلق بتنفيذ نشاط ذي طبيعة اقتصادية
[35]– أنظر بوجه خاص:
Yves Tchotourian, vers une definition de l’affectio societatis lors de la counstitution d’une société , L.G.D.J., 2011 , Deborah Eskinazi, la qualité d’associé , t hèse de doctorat, Faculté de droit, université de Cergy- Pontoise, 2005. Available at < http://biblioweb.u-cergy, fr/theses/05cerg0241.p.df>( last visited November 4,2011) , christophe Venzon, L’affectio societatis, Mémoirede DEA , Faculté Robert schuman, 2002/2003. Available at <http://cde.alasce.cnrs.fr/IMG/pdf/Venzon.p.d.f>(last visited November4, 2011).
[36]– انظر اسكيناذي ، سابق الاشارة ، ص1.
[37] – المرجع السابق ، ص3.
[38] – والملاحظ أن نية الشراكة أقرب إلى نظرية العقد في الشركة، أنظر: تشوتوريان، سابق الاشارة، ص5.
[39] – نقلاً عن: محمد فريد العريني، الشركات التجارية :المشروع التجاري الجماعى بين وحدة الاطار القانوني وتعدد الاشكال، دار الجامعة الجديدة ، الاسكندرية ، 2011 ، ص39؟
[40] – تشوتوريان، سابق الاشارة، 4
[41] – نقلاً عن المرجع السابق ، ذات المكان.
[42] – المرجع السابق، ذات المكان، كذلك تشوتوريان، سابق الاشارة، ص2
[43]– ” une intention a l’origine d’entreprednre quelque chose ensemble “
[44]– “une collaboration au course de la vie social “
[45]– ” a une oeuvre commune et u n travail sur un pied d’égaliét”
[46] – أنظر . مصطفى البنداري، الشركات التجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة، مكتبة الجامعة، الشارقة، 2005، ص 115.
[47] – حيث ينتقد المذهب التقليدي من حيث إن فكرة التعاون الايجابي لا تتحقق في شأن الشريك المساهم، والشريك الموصى، فهما لا يشتركان في الإدارة . كما أن المساواة غير متحققة بين كافة الشركاء (المتضامن في مواجهة الموصى في شركة التوصية البسيطة- وحامل السهم لممتاز في مواجهة حامل السهم الممتاز في شركات المساهمة) . المرجع السابق، ذات المكان وكذلك هامش 115.
[48]– وفي هذا الشأن ينتهى اسكيناذي في رسالته حول صفة الشريك إلى أنه:
” La perte de l’affectio societatis en cours de vie sociale n’est pas anodine, Elle peut entrainer la disparation de la Société, soit par le pronounce de sa nullité , soit par sa dissolution quand la perte de l’affectio societatis se manifeste par une mésentente paralysant la société p.299.
[49] – محمد فريد العريني، سابق الاشارة ، ص40.
[50] – نقض مدنى، 22/6/1967، المكتب الفني ، س18، ص 1331 ، نقض مدنى 21/3/1968، المكتب الفني، س 19 ، ص 588، نقض منى، 23/3/1973، المكتب الفني، س 29 ، ص 825.
[51] – محمد فريد العريني ، المرجع السابق ، ص40.
[52] – فتحى والي ، سابق الاشارة ، ص 121.
[53] – المادة 2 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية.
[54] – فتحى والي ، سابق الاشارة ، ص121.
[55] – أنظر بصفة عامة حول التحكيم والشركة:
Daniel Cohen, Arbitrage et société, L.G.D.J., 1993.
[56] – فتحى والي ، سابق الاشارة ، ص 123.
[57] – استئناف القاهرة، دائرة 91 تجاري، 27/4/2005، الدعوى 89 لسنة 121، ق. تحكيم نقلاً عن المرجع السابق، ذات المكان.
[58]– المادة 46 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية.